حفّار الخشب المبدع
غالباً ما كان التوق إلى تأمين وسائل العيش الكريم، وعدم الرضوخ للواقع الإقتصادي السائد في لبنان، وراء إتخاذ قرار الهجرة، كسبيل لتوفير ظروف معيشيّة أفضل للمهاجر، لا يلقاها في وطنه الأصلي
وهجرة الكفاءات هي جزء من الهجرة العامة، إلاّ انها ليست جميعها هجرة أدمغة، انما هجره سواعد ايضاً. فللهجرة المهنيّة نصيبها الوافر منها. ورشيد شلهوب، إبن كفرزينا، في قضاء زغرتا، يشكّل دليلاً ساطعاً ومبكراً عليها. وهو لو لم تضق به أرض بلاده، ويركب مخاطر الإغتراب، لما عاد عليه إمتهانه للنجارة، كمهنة حّرة، بما حققه من مكتسبات ماديّة، وشهرة واسعة، وهو في الأرجنتين. الأمر الذي خوّله، بعد قيامه بما تستوجبه مهنته من أعمال، ومن تلبية لمختلف الحاجات، من الإنصراق الى الحفر على الخشب، تفجيراً لما في نفسه من ينابيع عطاء. محقّقاً بذلك مركزاً مرموقاً سرعان ما سلّط عليه أضواء الصحافة في وطن الإستقبال
والمعلومات المستقاة عنه مُستلّة مما أوردته عنه جريدة ” الإصلاح ” الأرجنتينيّة ، ونقلته جريدة ” صدى الشمال ” (عدد 271، السبت في 11 أيّار 1929) ، تحت عنوان “نبوغ لبنانيّ
وفي المعلومات أن شاباً لبنانيّاً أدهش الناس بنبوغه، بإنجازه ما وصفته بالتحفة الفنّية البديعة، بل البدعة. وهو كان قد حط الرحال في الارجنتين، قبل أربع سنوات، ووقع إختياره على مدينة كوردوبا كمكان إقامة. ولم يلبث أن بَرَع في مهنته، في سعيه الى الرزق، ككل صاحب مهنة. غير أنّ ذلك لم يكن ليحقّق رضاه الذاتي. لشعوره بميل غريب، وجارف، يعتمل في داخله، يحفّزه إلى العطاء، والبروز، والتفوّق
فانساقَ، بكلّ ما أُوتي من قوّة إلى إبتكار صنيع فنّي خطر له أوّلاً بشكل مبهم، قبل ان يتوصل إلى إظهار فكرته. وأطلق العنان لجهوده المتواصلة، دون أنّ يفتر له عزم، أوتتراخى همّة. متسلّحاً في تحقيقه لهدفه، بالصبر، والجلد، والإقدام، وهو يعمل على قطعة من الخشب الصلب بشفرة إعتيادية صغيرة. فكان ينفق ساعات فراغه في العمل على هذه القطعة، حفراً وصقلاً
جاعلاً من الحفر شغله الشاغل، وموضوع هيامه، مدّة سنتين، قبل أن يضع لمساته الأخيرة، وينتزع الإعجاب، بتحفته الفنيّة المكونّة من قطع ثلاثة: أوّلها كأس، أو مزهريّة، ناتئة الرسوم، تمثّل الكرة الأرضيّة، وبعض المشاهد التاريخيّة، تمثيلاً دقيقاً. وفي اعلى الكأس رسمٌ نافر لرئيس جمهورية الأرجنتين الدكتور أبريغوجن. يقابله رسم الدكتور لياندرو آكم، مؤسس الحزب الراديكالي، يحيط بالرسمَيْن إطار من العروق المزركشة. ويتوسط الكاس عمود يعلوه العلم الأرجنتيني
القطعة الثانية عبارة عن دواة للكتابة، فيها من الرموز والفن والإتقان، ما في الأولى
والقطعة الثالثة أداة تدخين مشتملة على كل ما يستعمله المدخّنون، بتناسق مدهش
المعلومات كانت أدرجتها الصحيفة المذكورة قبيل إهداء رشيد شلهوب محفوراته الخشبيّة إلى الرئيس الأرجنتينيّ، فيما الصحافة الأرجنتينيّة تكُثر من الثناء على منحوتاته، متمنّية لو يتاح له درس الفن، بحسب أصوله، ليزداد نبوغه تجلّياً
محسن أ.يميّن
“ZghartaPedia”