باني مركز البورصة في مالطة
يلمع إسم لبنان، كلّما لمع إسم مغترب لبنانيّ في حقل من الحقول.
وإلياس حنّا الأبطور، إبن حميص (مزياره)، هو أحد أولئك المغتربين الذين شقّوا طريقهم بنجاح في الخارج في جزيرة مالطة: في أواخر القرن التاسع عشر.
ففقدانه المبكر لوالده سيدفعه إلى الإنسلاخ أوّلاً عن مسقط رأسه، وتالياً، عن بلاده، سعياً إلى الارتزاق، وطلباً للعيش الكريم.
وستقوده المسالك التجاريّة من بيروت إلى الإسكندريّة، وتونس، والقدس، ومالطة، قبل أن ينتهي به الأمر إلى الإستقرار وعائلته في مالطة، عام 1883، وإلى بناء مركز للبورصة فيها سنة 1895.
وعائلة الأبطور تعود بأصلها إلى عائلة الجميّل، في بكفيّا. هجر جدّ هذه العائلة مخائيل قريته، لسبب غير معروف، وإنتقل إلى السكن في حميص، حيث أقترن بإبنة بشارة يونس، ورزق منها ثلاثة أبناء بينهم يوحنا والد إلياس.
وإلياس من مواليد العام 1855. درس العربيّة والسريانيّة في القرية قبل أن تحثّه والدته على الإلتحاق بعمّه سابا، في بيروت، وبأبناء مزيارة المقيمين. وانصرافه إلى الإهتمام بالشوؤن التجاريّة، وإلى فتح محلّ شراكةً مع نقولا عجّوري سيؤدّي إلى انقطاعه إنقطاعاّ أوليّاً عن قريته، قبل أن ينقطع إنقطاعاً كلّياً عن وطنه بسبب هجرته مع زوجته حنة سعد دعبول (مزيارة)، وأسرته، وإستقرارهم في مالطة.
وقد تخلّل الإنقطاعين أسفار عديدة للمتاجرّة بالزيت والزيتون والليمون، ومسابح الصلاة، والايقونات، وسواها من السلع القدسيّة، قادته، مع شركاء له، إلى كل الوجهات المار ذكرها. سيؤثر، من بينها، مالطة لسكناه وعائلته، إعتباراً من سنة 1883.
ومع انه لم يكن مُلمّاً بشؤون البورصة فقد بدأ يخطو خطواته الأولى في طريقها في 27 إيّار سنة 1890، بكثير من الصعوبة، والمشقّة. لكن أعماله تكلّلت بالنجاح، برغم التقلّبات السياسية الدوليّة، وما تعاقب إندلاعه من نزاعات، وحروب واضطراب في أسعار العملات ومضاعفات إقتصادية. وتمكّن من بناء مركز للبورصة في جزيرة أحلامه، سنة 1895، وإندمج وأسرته بشعبها بعدما حالفه النجاح فيها، بعد مراكمته للخبرة والمعرفة والنشاط، واجتيازه للمحن، وتغلّبه على الصعوبات.
المونسنيور جرجس السبعلاني الذي كتب سيرة الأبطور، تركنا حيارى حيال تاريخ وفاته.
جل ما نعلمه أن وطأة المرض قد بدأت تشتدّ عليه من مطلع ايار، عام 1907، وانه فقد البصر، في عينه اليسرى، بعد بلوغه ذروة الشهرة، في المضمار الذي نشط فيه، على نحوٍ زاخر بالحياة، أبقى له ذكراً دائماً، في الجزيرة المضيفة، وفي سجلّ المغتربين المجلّين.
محسن أ.يميّن