ميلاد الغزال معوّض

إسم للبقاء… طويلاً

من الصعب إختصار تجربة بغنى تجربة ميلاد الغزال معّوض بكلمة، أو ببضع كلمات. لكن إذا كان لا بدّ من ذلك فيمكن القول، بكثير من الإختصار، أنّ الرجل عاش ليعمل، وليساعد الآخرين على العيش. فهو من صنف الرجال الذين لا تُشرق عليهم الشمس وهم في أسرّتهم

ومن أرباب العمل الذين يَسْبقون عّمالهم إلى الورش

وقد كان هذا دأبه كمقاول وهو في مستهل طريقه لتحقيق النجاح، كما ظلّ كذلك شأنه في الجدّ والكدّ والإجتهاد بعد إحرازه للفلاح المأمول. وهو لم يتأخر في إدراك أن الثروة لا تكون بركةٍ إلاّ إذا أحسن إستعمالها، والإنتفاع بها. وانّ النعمة قد تُمسخ نقمةً لمجرّد سوء التمتّع بها. ولا تأخر في ادراك انه كلّما فاز بقصب السبق في حلبات الجهاد، كلما إزداد قدرةً على مدّ يد المساعدة للآخرين

 لعلمه، في قرارة نفسه، أنه إذا كان للفوز قد خُلِق ، فهو للمساعدة قد خُلِقَ أيضاً

ولولادته في زمن الميلاد، سنة 1929، جاء إلى الدنيا حاملاً إسمه معه وهو الولد ال 14 بالعائلة. لكن فقدانه لأبيه قبلان مخائيل الغزال، وهو في عامه الخامس، سَيُلقى بكامل المسؤوليّة عن العائلة على عاتق أمّه سليمة بطرس القارح، وسيوقظ فيه هو الشعور بالمسؤوليّة، منذ صغره. مع انه كان لم ينل ميلاد الغزال سوى القليل من العلم. لكنه إستعاض عن هذا النقص بالكثير من العمل. فمن بيعه لصناديق التفاح المقطوف من جنينتهم في محلّة الدواليب، في إهدن، إلى حمله للقبّان على منكبيه، في بداية سعيه المضني لكسب لقمة العيش، متعاوناً وبلدية زغرتا-إهدن، إلى مؤازرته لشقيقه الغزال في الإشراف على تشييد المباني، إلى إستئجاره ل”مطعم الفردوس”، في إهدن، وصولاً إلى شرائه أوتيل بلمون من ضوميط سعاده، شراكةً مع سعاده سعاده، عام 1952، ستتلاحق خطواته الأولى على دروب طلبه للعلى، وبلوغه لمرامه

بعد أحداث 1957-1958 سيلتزم بتقديم ألاكل للجيش. قبل ان يؤسّس شركةٍ مقاولات في طرابلس، عام 1960، مع المهندس إميل خلاط، مدشناً تعّهداتها بإلتزام الملعب البلدي فيها. قبل أن يشتري مقهى في بناية إدوار البطش، قبالة المنشية

 الأفضل كان سيأتي بتعهّده تنفيذ أشغال معرض طرابلس الدوليّ، بالتعاون مع شريكه خلاط. والمعرض لن يلبث أن يصبح مشروع لبنان في النصف الأوّل من الستينيّات، بعد توالي بروز تصاميم المهندس العالمي أوسكار نيماير، على أن تنهي شركته أعمال بنائه عام 1968. وتنصرف من ثم، جهوده إلى إنشاء بناية في شارع المعرض لن تطول اقامته فيها لإضطراره إلى مغادرة طرابلس بعد نشوب الحرب

بإنتقاله إلى المعاملتين سيبدأ في سلوك إتجاه مختلف في مسار أعماله برهانه على شراء الأراضي لإقامة المشاريع السكنيّة. والبداية ستكون من “أدما” بشرائه 300 الف متر من عقاراتها القاحلة، تمهيداً لجعلها تزهر بالعمران، ولتحقيقه الأرباح بأوسع ممّا تحققّه التعهّدات. ولم تلبث “أدما” أن أضحت أحدى أجمل المناطق السكنيّة الكسروانيه 

 مشروع الإسكان التالي سيكون في نهر إبراهيم لأن تجربة “أدما” عزّزت توجّهه نحو أستثمار أمواله في المجالين العقاريّ، والسكنيّ. فكانت “المعيصرة” خياره التالي بعد “أدما”

 الثالث سيكون في “بصاليم” بتملكه للتلّ الذي سيعرف ب “تلّ الغزال” الذي نهض عليه مشروعه السكنيّ الثالث الأدرّ ربحاً، لقربه من العاصمة بيروت

 في خلال ذلك كانت قد تأسّست شركة معوّض-إدّه في العام عينه الذي تأسس فيه مجلس الإنماء والإعمار 1978. وهذه الشركة ستكون وراء تنفيذ العديد من مشاريع البناء والإنماء في مختلف المناطق اللبنانيّة، على إمتداد أربعة عقود، مرسّخةً قدمها في العاصمة بعد إنجازها ل”برج العزال”. قبل تعهّدها بتنفيذ البنية التحتيّة للوسط التجاري، ومكبّ النورماندي، ومشروع الصيفي السكنيّ، والمباني الخاصة في الوسط التجاريّ، والزيتونة باي فضلاً عن مشاريع السدود: القيسماني، وشبروح

 ويتعذّر في نبذة مختزلة إعطاء فكرة عن شبكات الاوتوسترادات والطرقات التي إرتبط إسم ميلاد الغزال بإبجازها لإيثزارنا إختتامها بتأسيس جمعية خيريّة تحمل إسمه قامت وتقوم منذ العام 1988 بتنظيم التقديمات، والمساعدات، والهبات، كان سبقها إنشاء دار الراحة في مجدليّا عام 1985، بقصد توفير بيت للذين يتقدمّون في السنّ، ويحتاجون لمن يهتمّ بهم، ويرعى شؤونهم. ويتبعها بمساعداته التي إستمرت على إمتداد أعوام طوال في المجال التربويّ، ومن ثم، تدشينه للمركز الثقافيّ والرياضيّ الحامل إسمه، سنة

 وبعد، فإنّ والدته المرحومة سليمة التي أَوقْدت في صدره جذوة السعي لعمل الخير منذ مقتبل عمره، لم تكن تعرف ان بلدّية زغرتا-إهدن، إعترافاً منها بفضل أبنها، ستُطلق إسمه على الشارع الذي يبدأ من تقاطع “الصليّب” نزولاً من كنيسة سيّدة الحارة، والجزء الشماليّ الغربيّ من تصوينة كنيسة مار يوحنا، وصولاً حتى المركز الثقافي الذي أسسه وتتأزر أسرته، وجمعيته، في تعهّده بالتعاون مع رعيّة إهدن – زغرت

كما أنّها لم تكن تعرف ان التاريخ سيحفظ له ذكراً حسناً لن يمحيه الوقت

وهو لم يستسلم لمرض “الباركنسون” بل ظلّ يعمل حتى إشتداد وطأته عليه، تاركاً لنجليه، بناته، وللأحفاد، الإستمرار في حكاية البناء والمقاولات من بعده قبل أن يلاقي وجه ربه في 25 تشرين الثاني 2017

محسن أ.يميّن 

“ZghartaPedia”