أضواء على طباعتنا وصحافتنا

مطبعة وجريدة “إهدن”

لصاحبها بطرس أفندي يميّن

وثائق مجهولة

لم يكن من السهل تأسيس جريدة مناطقية قبيل الحرب العالمية الأولى يوم خطر لبطرس أفندي يميّن إنشاء جريدة “إهدن”، عام 1913. لأن ظروف إصدارها وتوفير الإمكانات البشرية والطباعية لها كانت غير مشجعة. ومعدّل القرّاء الذين كان يفترض أن يفرحهم صدور جريدة من قلب منطقتهم، وإطلاعهم على الأخبار الخاصة بناحيتهم التي قلّما تبلغ جرائد المدن الرئيسية -وإذا صدف ووصلتها فهي نادراً ما تدرج- هذا المعدّل كان متدنّياً نظراً لعدم انتشار العلم إلى حدّ مرض، وضآلة عدد المثقَفين، في عدادهم، المدركين لأهمية الصحافة، ولدورها في نشرالحقيقة، وتعميم العلم والمعرفة

مع ذلك، فأن بطرس يميّن انضمّ إلى قافلة اللبنانيين الروّاد الذين أبصرت على أيديهم صحف الأقاليم النور. فكان أوّل من فكّر في زغرتا- إهدن في ظهور جريدة تعبّر عن همومها، تنقل آراء أهليها والمتأدبين الذين يمدّونها بمقالاتهم، تسجّل حوادثهم، وتوصل صوتها إلى البعيد

والواقف على عراقة عائلة بطرس في المجالات الوطنية والعلمية، القانونية والطباعية، قد لا يستغرب تشكيله حلقة في سلسلة مباركة بدأت مع المطران يواكيم يميّن الأول، صاحب الوقفة الإهدنية الشجاعة في وجه المشايخ الحماديين المتسلطين على الجبّة، التي انتهت إلى طردهم منها، وتواصلت مع المطران جرجس يميّن (جدّ جدّه)، فالمطران يواكيم يميّن الثاني، مطران إهدن (جدّ والده)، والخوري جرجس يميّن (جدّه)، قاضي نصارى لبنان على عهد الأمير بشير الشهابي، وأحد أشهر نسّاخ الموارنة، في زمانه، ولم تنتهِ بوالده رومانوس الذي شغل منصب مدعي عام المتصرفية، أيام فرنكو باشا، وتولّى رئاسة دائرة الحقوق والجزاء، وناصر بطل لبنان يوسف بك كرم في حركته ضد العثمانيين، وأسس “المطبعة اللبنانية” في إهدن عام 1859، شراكة مع الخوري يوسف الدبس حتى تعيين هذا الأخير مطراناً على بيروت عام 1873، وشراكة مع رزق اللّه خضرا

آل الأفندي يميّن

وقد حمل فرع هذه الدوحة العريقة المتحدر من صلب رومانوس لقب آل الأفندي يميّن إثر صدور أمر بتسميته “محامي الحكومة بمجلس الكبير من طرف متصرفية جبل لبنان” في 22 آب 1884، لقاء معاش شهري قدره ألف غرش. ولقب الأفندي تركي مقتبس من اليونانية ومعناه الصاحب والمالك، والسيد المولى. أطلق أولاً على السلاطين، ثمّ على أولياء العهد، ثم شمل العسكريين من رتبة ملازم فما فوق،وعلى بعض أرباب الرتب المدنيين، وعلى كل من يقرأ ويكتب من غير المعممين، وعلى قلة من القضاة الشرعيين. إلى أن شمل سائر موظفي الحكومة

هذا علماً بأن سلسلة الوجوه الخيّرة هذه لم تنته مع بطرس، مؤسس الجريدة التي نوجّه إليها الانتباه، بل أكملت أيضاً، وإن في منحى فنّي مع ابنه الفنان بولس (1910-1958) الذي لم يكتب له طويل عمر

بطرس يميّن إذن هو ابن رومانوس، وحسنا القارح. ولد عام 1863. والبيت الذي نشأ وأنشأ مطبعته فيه، لا يزال قائماً في حي السيدة، أي حي سيدة زغرتا، لكن ملكيته لم تعد لورثته. لا نعلم إذا كان أخذ نصيباً من العلم في مدرسة مار يوسف- زغرتا المجاورة لمنزله، لكن المؤرخ سمعان خازن أفادنا في كتابه “تاريخ إهدن القديم والحديث” (تاريخ إهدن المدني، 1938، ص 323) أن يميّن درس الفقه على والده، وأنه تعاطى مهنة المحاماة مدة طويلة. كما شغل وظيفة كاتب عدل إهدن. لكن المعلومات التي أوردها عن وراثته لمطبعة من أبيه، زاد عليها، ما زاده، عام 1913، غير دقيقة. لأن رومانوس بعد فسخ شراكته مع الخوري الدبس، في أعقاب تعيين هذا الأخير مطراناً، باع حصّته من “المطبعة اللبنانبة” التي كان اشترى أحرفها من المطبعة الأميركانية إلى دير قزحيا، على ما جاء في “الكتاب ولبنان”. ولو كانت رواية خازن مطابقة للواقع لما كان هناك أي داعٍ كي يتقدّم بطرس، عام 1910، مجدّداً بطلب للحصول على رخصة من أجل إحداث مطبعة. والدليل صورة عن وثيقة في حوزتنا صادرة عن السلطات المختصة في متصرفية جبل لبنان تثبت موافقتها على الطلب الذي تقدّم به. جاء فيها

“إن ورقة البيان المتقدمة من بطرس أفندي يميّن العثماني بشأن إحدث مطبعة في قصبة إهدن باسم مطبعة إهدن لأجل طبع كتب وأوراق باللغة العربية وجدت موافقة لقانون المطبوعات وللبيان حرّر هذا العلم والخبر في 8 آذار 1910 وتبع حصوله على العلم والخبر بإنشاء المطبعة، علم وخبر ثانٍ يجيز تأسيسه للجريدة، وفيه ما يلي

“إن ورقة البيان المقدمة من بطرس أفندي يميّن العثماني بشأن نشر جريدة بعنوان إهدن في قصبة إهدن باللغة العربية أسبوعية تبحث في الشؤون الأدبية التاريخية والانتقادية وهو مديرها المسؤول وجدت موافقة لقانون المطبوعات وللبيان حرّر هذا العلم والخبر 12 أيلول 1910 ويبدو أن بطرس حين تقدّم بطلبه هذا طالباً الحصول على ترخيص بإصدار جريدة، وإحداث مطبعة، كان يعمل كاتباً لضبطية محكمة قضاء البترون، ولم يكن لديه مطبعة على ما أورده الخازن، وإلاّ لما كان هناك حاجة كي يذكر في طلبه الرسمي الذي غنمنا نسخة، هو الآخر، عنه، أنه سيطبع جريدته على مطبعة “البلاغة” في طرابلس، لأن قانون المطبوعات كان يلزم كل من يسعى إلى إنشاء جريدة أن يذكر بوضوح المطبعة التي سيعتمد عليها في طباعة جريدته

وهنا نص الطلب الذي تقدّم به بطرس يميّن

“لجانب معالي متصرفية لواء طرابلس الشام العلية عطوفتلو أفندم حضرتلري يعرض مقدمة بطرس رومانوس يميّن العثماني من إهدن سكان قصبة إهدن التابعة لقضاء البترون من أعمال جبل لبنان كاتب ضبطية محكمة القضاء المذكور سابقاً عمري 45 سنة إنني عزمت الآن على إصدار جريدة باسم (إهدن) تصدر مرة في الأسبوع تطبع في مطبعة البلاغة لصاحبها عزتلو محمد كامل بك البحيري.وحيث إنني واللّه الحمد غير محكوم بجناية أو جنحة أو قباحة ولا حجزت أملاكي مطلقاً كما يتضح ذلك من شهادة المحكمة في البترون وشيخ الصلح لمحل ولادتي إهدن وكان الدستور العالي والقانون الأساسي يخولني هذه المنحة لهذا تجاسرت بعرض الكيفية مسترحماً إعطائي المأذونية القانونية.ل وبكل حال الأمر والإرادة لحضرة من له الأمر أفندم”

                                                       بطرس رومانوس يميّن 8 آذار 1910

بالإيجاب ردّ وكيل متصرفية لبنان مجيزاً له أولاً تأسيس المطبعة، ثم الجريدة، لكن أسباباً ما، ذاتية فيما نظن، ستؤخر صدور العدد الأول من جريدة “إهدن”، حتى 13 شباط عام 1913

A close-up of a paper

Description automatically generated

جريدة شعارها الحقيقة

صدرت جريدة “إهدن” في أول أمرها يوم الخميس، ثمّ راحت تصدر أسبوعياً، يوم السبت. بدأت ب8 صفحات بحجم 24x 34 سنتيمتراً، ثمّ تراجع عدد صفحاتها إلى 4، مع بقاء الحجم إيّاه

ولأنها ظهرت على دفعتين الأولى قبل الحرب العالمية الأولى، أي في العهد العثماني، والثانية بعد الحرب، كما سيأتي، أي في العهد الانتدابي، فقد كان اشتراكها السنوي في الولاية، في المرحلة الأولى، ريالين وفي البلاد الأجنبية 15 فرنكاً، وأصبح، في التالية، 150 غرشاُ سورياً في لبنان، وفي الخارج 50 غرشاُ مصرياً، أما في جهات أميركا والبرازيل وخلافها ف 6 دولارات

أما إداراتها فتغيّر عنوانها من طرابلس- لبنان، إلى زغرتا – لبنان، فيما بقيت المراسلات على حالها: باسم صاحب الجريدة

كتب مؤسس جريدة إهدن في مستهل العدد الأول الصادر يوم الخميس 13 شباط 1913: “باسم الحق نستهل القول ونبدأ العمل. فلا قول ولا عمل إلاّ إذا اقترن بالحق وهو نبراس البشر وهادي الخلق إلى طريق النجاح أو قائدهم في سبيل الفلاح. الحق والحقيقة أيهاالقارئ الكريم هي الضالة المنشودة

ويضيف مفتتحاً العدد الأول:” أما الهداية إلى الحقيقة فقد كانت وسائلها مختلفة، فتارة تتجلى بمظهر الخطابة ومرة بمجلى الوعظ والتأليف، وكان آخر العهد بها طريق الصحافة”. ويكمل قائلاً: “الصحافة ولا يخفاكم أمرها، عامل قوي وساعد حديدي متين إلى الحقيقة وإزالة الغياهب عن وجه تلك الفتاة الفتانة وهي الحقيقة”

وينتقل إلى القول: “إن إظهار الحقيقة الأولى الوظيفة الأولى للصحافة… هذا إجمال جعلناه مقدمة للخطة التي نسير عليها بحوله تعالى في جريدتنا إهدن، فنجعل رائدنا الحقيقة ودليلنا الحقيقة في كل محل، ولا ندّعي العصمة، فالإنسان أليف النسيان، ولكن المرء مجزي بنيّاته، وسنسير على هذه الخطة في محيط نباهي به كثيراً من الأقطار في الشرق”

وبعدما أوضح هوية هذا المحيط بأنه المحيط الشمالي خلص إلى التأكيد “تتقدم إليكم جريدتنا أيها النبغاء والأدباء في شمل لبنان ولا شعار لها إلاّ الحقيقة، فهي بعيدة عن الأغراض، عارية عن المآرب، تنتقد انتقاداً أدبياً، وتستلفت الأنظار استلفاتاً سريعاً، لا تميل إلى وجهة، ولا تتحيّز إلى فرقة، لا تعصّب ولا تفرقة، تستقي الأخبار من موارد الصدق، وتستخرج النتائج من منابه الحق، فالشخصيات عدوها والعموميات عشيقها”

أولت “إهدن” منذ عددها الأول اهتماماً إلى حاجات “الجهة الشمالية… أعظم أقضية المتصرفية وأكثرها امتداداً وأشدها قابلية للنجاح” لعدم نيلها ما تستحقّه من اهتمام، أسوةً بغربيّ لبنان أو جنوبيّه، أو فوزها بحقوق. فلفتت الأنظار إلى أحوال الطرقات التي لم تكن لتوجد لولا نعوم باشا، كما شكت من اختلال الأمن في أنحائه طالبة زيادة عدد رجال الأمن تثبيتاً للاستقرار فيه، تشكّيها أيضاً من عدم مساواة أهاليه بغيرهم من الأقضية، لجهة التوظيف والاستخدام في دوائر الحكومة. كما هالها إنشاء مدرسة أميركية صيفية في إهدن، حينذال، (ولأمد قصير فيما نحسب)، وعدم وجود إرسالية كاثوليكية لتعليم الصبيان، ودعت إلى توحيد الكلمة ونبذ الخلافات وتأسيس الجمعيات التي من شأنها “جمع شتات القرى والمطالبة بالحقوق المهضومة”

أقلام مشاركة

وقد ساعد “إهدن” في رفع صوتها مجموعة من الأدباء الذين راحوا يغذون صفحاتها مجموعة من الأدباء الذين راحوا يغذون صفحاتها بآرائهم ونفثات أقلامهم: كالخوري يوسف يعقوب الفرخ (من صورات – البترون) الذي تولى إدارة مدرسة مار يوسف البطريكية في زغرتا، حيناً، (لمحة في فؤاد العلم – العدد الثاني)، والأديب فيليب سعد الدبس من كفرزينا (1898-1934) الذي لن يقتصر عونه التحريري على جريدة إهدن فحسب، بل سيتعدّاها إلى الصحيفيتن الأخريين اللتين أعقبتاها في الصدور في زغرتا – إهدن، أي “صدى الشمال” للمحامي فريد أنطون (1925)، و”الدفاع” للشيخ فريد بولس (1932)

تحت عنوان “عبرة وعبرة” كتب فيليب الدبس في العدد الرابع ما يأتي

“لا نلقي نظرنا مرة على هذه البقعة الناضرة الممتدة من أعالي ظهر القضيب حتى أطراف البحر المتوسط إلاّ تجلّت في أنفسنا عبرة وتسيل من أعيننا عبرة أن ما في هذه البقعة من الأراضي الواسعة والتربة الجيدة والأجسام القوية والاستعداد الطبيعي للتفوق والميزة وما نراه من الويل المخيم فوق ربوعها والأختلاف القائم بين أبنائها وتفرق كلمتهم وجهلهم أخصّ واجباتهم ومصالحهم ممّا تنفطر له المرائر وتضيق به الصدور”

إلى الخوري يوسف يعقوب، وفيليب الدبس يمكن أن تطل على المتصفح أسماء أخرى كملحم أيوب الحكيم (من داريا – الزاوية هاجر فيما بعد إلى المكسيك حيث أسس هو نفسه جريدة)، الخوري نعمة الله شلالا، والخوري يواكيم إسطفان

أخبارها

وأذا كانت الآراء المبثوثة في أعداد جريدة إهدن لا تستوقف قارئ اليوم كثيراً، إلاّ أن الجزء الإخباري المحلي يشكل بالتأكيد مادة أكثر إثارة للاهتمام

ففي العدد الأول صفحة 4 وفي خانة أخبار زغرتا نقرأ الآتي: “ليل أمس بينما كانت الصغيرة زهور بنت يوسف إبراهيم زخيا تهزّ سريراً لطفل في بيت جارتها سقط عليها ضو البترول فأحرق وجهها ويديها وبعد ست ساعات قضي عليها. فألهم أهلها الصبر على هذا المصاب الأليم”. وفي العدد الثامن ص 62 هذا الخبر الوارد من داريا “أخبرنا صديقنا حضرة الأب الجليل الخوري يوسف جبر منّاع بأن سيادة مطران الأبرسية سينعم عليه بلقب “برديوط” وببدلة سوداء أزرارها حمراء فنحن نهنئ حضرة الأب المومأ إليه سلفاً”

إعلانات

وقلما نعثر في جريدة إهدن على أثر للإعلان. وهاكم نموذجاً عن إعلان عام نشر في عددها الحادي عشر وفيه

“بما أن إهدن الغادة الحسناء وعروس لبنان، ماؤها سلسبيل وهواؤها بليل أمّ إليها المصطافون من كل قطر ومصر فرأوها فتنة للناظرين وسلوى للخاطر فتعشقوها وهاموا بحبها متسارعوا إلى ملتقاها فأعدت لهم لوكندتنا طرابلس الوسيعى والرحبة المخادع نزلاّ متقناً بالرياش الفاخر، قايم بوسطها ومشرفاً على ساحة ميدانها وقد باشرنا تركيب فرشه وأثاثه ومواعينه النفيسة وأبوابه دائماً مفتوحة لنزول من شرفه فيرى كلّ ما يسرّه من الأطعمة اللذيذة والأشربة المفتخرة وأسباب الراحة متوفرة لديه وشعارنا صدق الخدمة وإتقانها وخصوصاً الأمانة والنظافة واسترضاء الجميع لمجيئهم إلينا في كل عام وإن غداً لناظره قريب”

قبلان سليمان أنطو وابنه فريد والمقصود بابنه فريد، أي المحامي المار ذكره الذي أسس جريدة “صدى الشمال” وأصبح لديه وسيلة نشره الخاصة، منذ 1925

الإعلان الثاني كان إعلاناً خاصاً بصاحب الجريدة وبتاريخ كان يعكف على إعداده عن إهدن وعن الأسر التي نزحت منها إلى حلب وقبرص وحاصبيا والقدس وكسروان والمتن. والظاهر أن مخطوطة يمين تلك، سواء كانت مكتملة، أو غير مكتملة، إمّا أن تكون أخفيت، أو ضاعت

مدة صدور الجريدة

صدر من جريدة إهدن قبل الحرب العالمية الأول 23 عدداً ثمّ توقفت عن الصدور، إلى حين. وبعد الحرب عادت إلى الظهور فصدر منها عدد غير معروف من الأعداد قبل أن تتوقف توقفاً نهائياً

وقد كتب الأستاذ جان دايه مقالاً عن جريدة “إهدن” نشرته جريدة “النهار” في 22/11/1979 ذكر فيه أنه لم يصدر من جريدة إهدن سوى 26 عدداً قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة مع اندلاع الحرب الكونية الأولى، مستنداً بذلك إلى مجلد وضعه الأب الدكتور يوسف يميّن بتصرفه يحتوي هذا القدر من الأعداد. لكن المؤرخ سمعان خازن أكد صدور 23 عدداً قبل ال1914-1918، وعلى صدور عدد آخر غير محدَد بعدها. ودايه هو نفسه عاد فتدارك ما كتبه في مقال آخر نشرته النهار في 28/8/1987 تحت عنوان :” إهدن الجريدة الرقم 26 ديون الحرب نكبات وأنّات” إثرعثوره، مصادفة، على عدد يحمل الرقم 26 مؤرخ في 25 آذار 1921. وفيه يلفت إلى بروز اسم محرر جديد كان كتب افتتاحيتها يدعى جهجاه يمين، هو ابن مؤسس الجريدة. وقد تناول في افتتاحيته تلك موضوع “بيوع الحرب”

وفي متناولنا وثيقة إضافية عائدة إلى بطرس أفندي يمين تثبت أن نجله تطرق إلى موضوع البيوع بعد الحرب نزولاً عند رغبة المفوضية السامية لحاكمية “لبنان الكبير” وفيها ما حرفه: “ترجمة بيروت 23 نيسان سنة 1921 مذكرة إلى قومندان ترابو حاكم لبنان الكبير – لقد شاع أن قرار استرجاع المبيعات قد بطل عمله تماماً أو قسماً فينبغي أن تعلنوا بصراحة كلية وأن تكلفوا جميع مندوبيكم في الجبل أن يعلنوا هم أيضاً أن القرار لم (يلغَ) بوجه من الوجوه قطعياً وأن الذين يشيعون ذلك إنما يريدون إيهام الشعب لمقصد غير محمود.” الإمضاء بأمره روبير دي كاي لمدير جريدة اهدن البهية

هذه صورة عن تعريب التذكرة الصادر من مقام المندوبية السامية لحاكمية لبنان الكبير الجليلة لنا من قبل المستشارية بتنفيد ما شاع عن إبطال حكم القرار المتعلّق باسترجاع المبيعات وإن القرار المذكور لم يزل مرعي الإجراء فنؤمل درجه في أول (عدد) يصدر من جريدتكم الغراء ودمتم

9 أيار 1921- المتصرف (لواء لبنان الشمالي) جبران نحاس

كتبه ومطبعته

ذكرنا آنفاً أن أحداً لا يعلم ما آلت إليه مخطوطته عن إهدن وأسرها لكن كتابه “رواية بطل لبنان يوسف بك كرم” رأى النور في مطبعته، عام 1923. وقد انفرد في مؤلفه هذا بتعداد كل الذين حاربوا تحت راية بطل لبنان، فرداً فرداً، من أبناء منطقته

كما طبع زجلية الشاعر الزغرتاوي أنطانيوس العاقوري (توفي عام 1917) في مواطنيه البطلين إلياس القرطباني وولده يوسف اللذين قضيا، عام 1906، بعد استبسالهما في الذود عن مزرعتهما الكائنة في عدوي القريبة من المنية، ودير عمار، وحيلان

وقد قام يمين بتوزيع هذه الزجلية مجاناً بعد طبعها، كما طبع بعض المفكرات قبل أن يبيع مطبعته إلى الحاج ناصر محمد نشابه، صاحب مطبعة القناعة في طرابلس بخمسين ليرة ذهبية

وعاد رئيس جمعية الصناعيين السابق، في زغرتا –الزاوية المرحوم إميل سعاده واشتراها فور علمه بمكان وجودها، فاسترده إلى المكان الذي أدّت فيه خدماتها الأولى، وهي اليوم تتصدر صالون منزله في زغرتا كقطعة تراثية، لا بل متحفية

مكتبته

من الطبيعي أن تتراكم لدى شخص كبطرس أفندي يميّن، مؤسس جريدة “إهدن”، بعد أجيال متعاقبة من المطارنة والكهنة والقانونيين، كتب ومخطوطات وافرة كان يمكن أن تغني المكتبة الإهدنية، واللبنانية، عامة، فيما لو تيسرت لها سبل الحفظ، والبقاء

وقول سمعان خازن عنه بأنه كان مولعاً بالتاريخ، ولديه مخطوطات تاريخية قيمة منها ما تبعثر، ومنها ما صمد على الأيام ووصفه له “بأنه كان شديد الحرص على أوراقه لا يجيز لأحد الاطلاع على مخطوط مهما بذل لديه من الوسائل”، إنما يكشف عن أهمية ما كانت تحتويه خزانته من آثار نفسية، مطبوعة ومخطوطة

لكن ما لم يتبدّد قبيل صدور كتاب خازن المشار إليه فيما تقدم، والصادر عام 1938، عاد وتبدّد شرّ تبدّد، بعد عشرين عاماً، خلال أحداث 1958، فضاعت بذلك الفائدة المرجوّة من محتويات مكتبة آل الأفندي يميّن، مع ما ضاع، وفقدت إمكانية إحراز مجموعة كاملة من الأعداد الصادرة من جريدة “إهدن”، أقلّه إلى أن يثبت العكس، ويظهر من الخفاء ما لا علم لنا بوجوده

“Zghartapedia”محسن أ.يمين