فنادق إهدن ونزلائها العرب

الصحف المصرية كانت هناك .. وكذلك صوت أم كلثوم

إستيعاباً لحركة الاصطياف الناشطة في إهدن تعاقبت على النشوء سلسلة من اللوكندات والفنادق ولم يبق من طليعتها سوى واحد، على قيد الحياة، انما بالاسم فقط، لأن شكلها المعماري القديم ازيل منذ وقت غير بعيد ليحل آخر محله على الطراز الحديث

فيما يلي لمحة عمّا انشىئ منها منذ اواخر القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين

إن أفضّل وصف لإهدن اواخر القرن التاسع عشر يمكن أن تجده في “كتاب بطل لبنان” المطبوع في المطبعة الوطنية بالاسكندرية لواضعه نسيم نوفل. وقد أتى نوفل في سياق وصفه هذا على ذكر فندق واحد لا غير حين كتب في الصفحة 27 منه “وفيها (اهدن): جملة قهاوى وفندق هو عبارة عن مقهى فضلاً عن حانات الخمرة ودكاكين الحلوى والفاكهة والألبان والبقول واللحوم مع كندرجية وساعاتية وخيّاطين وحدادين وعطارين وحلاقين إلى غير ذلك مما يُباع في الكيل والقبان والعد”

فأي، الفنادق هذا هو، واين كان؟ نص نوفل الذي لم تعوزه الدقة في الكثير من النواحي يفتقر اليها في هذا الموضوع حيث ترك الفندق دون تسمية وأبقى هوية صاحبه مجهولة.فضلاً عن موقعه المحدد. أمر واحد يمكن الاستدلال من خلاله هو أنه كان بجانب صيدلية عدن لصاحبها ابرهيم الخوري

فهل قرب المحلة المعروفة باسم “الدبيحة” لتمركز محال القصابة فيها، تلك المحلة الكائنة غربي كنيسة مار جرجس والتي يبدو ان الحركة التجارية غادرتها تدريجياً باتجاه ساحة الميدان ونظراً لوجود ملك ابراهيم الخوري فيها؟

اذا كان هذا الاستنتاج في محله فمعناه انه لا مفر من وجود واحد من احتمالين : إما ان يكون الفندق او بالحري النزل هو الذي انشأه آل قسوم في المحلة المذكورة والتي ذكر الشيخ فريج بولس، مؤسس جريدة الدفاع، (رحمه الله) على مسمعنا غير مرة، انه يُعتبر أول لوكنده افتتحت في اهدن

أو يكون ذاك الذي انشأه نجيب سعادة على مقربة وعرف باسم “لوكندة السعادة”

في أي حال، ان اطلاق عبارة فندق ربما كانت فضفاضة بعض الشيء عليه لانها لو كانت مطابقة لواقع الحال لما كان نسيم نوفل كتب في موضع آخر من نصه:”وقد بارحنا اهدن وهذا المجلس (اي البلدي) يتذاكر بضم ايراد والنبع إلى صندوقه ليتسنى له من ايراد سنوي يبلغ العشرين ألف فرنك بناء فندق متسع على كتف نبع مارسركيس وسوق يحتوي على دكاكين وقهاوي في ساحة الميدان..”

فعبارة “فندق متسع” تحملنا على الاعتقاد بأن الفندق الذي كان قائماً لم يكن بالاتساع المنشود والاّ لانتفت الحاجة إلى ذلك. لذلك يميل إلى الظن بأنه كان اقرب إلى اللوكندة

مباشرة بعد ذلك نهض على كتف ساحة الميدان “أوتيل زخيا”، وقد كان حتى وقت قريب يعرف ب”بانسيون زخيا”. من جميع ما سيتوالى تأسيسه من لوكندات واوتيلات كان هذا هو الوحيد الذي سيكتب له الاستمرارطيلة هذه المدة. لكن بالاسم وليس بالعمار، لأن بناءه القديم أزيل سنة 1985، وحل آخر حديث مكانه. وقد جاء في مذكرة بحث اعدتها روزيت خوام حول “نشوء وتطور حركة الاصطياف في بلدة اهدن” لنيل شهادة الجدارة في العلوم الاجتماعية في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الفرع الثالث أشرف عليها الدكتور طارق صهيون في العام الجامعي 1992-1993، جاء ان هذا الفندق بُني سنة 1895، وذلك استناداً إاى معلومات استقتها من ذريته

لكن السؤال لماذا اغفله نوفل في هذه الحالة؟ لذلك نرجّح ان تكون شيد لاحقاً، إنما متى على وجه التحديد؟ لا نعلم. جل ما نعرفه ان ذكر هذا الفندق ورد في كتاب الدكتور فؤاد غصن:” مذكراتي خلال نصف قرن”(ص126-128) فالدكتور غصن كان عُيّن طبيباً في ناحية اهدن في العهد التركي، خلال الحرب العالمية الاولى، فتفانى في تأدية واجبه، وأحب اها البلدة، ةأحبوه

وفي آخر صيف 1918 انتهت الحرب، ولاذ الجيش التركي بالفرار، ودخل الحلفاء البلاد، وعلى رأسهم القوة العربية بقيادة الامير فيصل الذي أسبح فيما بعد الملك فيصل. وقد تلقى غصن برقية من دمشق تحمل توقيع الامير سعيد الجزائري تقضى بتعيينه حاكماً على شمالي جبل لبنان. يومها راح بعد تعيينه يتابع تطورات الوضع يوماً بيوم من خلال ما كان يرده من برقيات. وبينما هو في هذا الحال يكتب “كنت في كل مساء اجمع سكان اهدن في ميدان يقوم امام الفندق الذي اسكنه وهو ملك اسعد زخيا فلبى الطلب نحو ألف منهم بعد الفراغ من اعمالهن الزراعية ومعهم معاولهم ورفوشهم، وما ان يستقر بهم المقام حتى يأخذوا برقصة الدبكة هازجين مغردين وانا جالس امامهم اصغي اليهم.واشاركهم افراحهم واستثير حماستهم إلى ان يستولى عليهم التعب ويلوذون بالراحة فأقف وأتلو عليهم علناً البرقيات التي كانت تصلني حتي يقفوا جميعاً ويصرخون بصوت واحد :” ليحيى العرب” “ليحيى فيصل” “ليحيى حاكمنا”. وبعد هذه الهتافات التي كانت تدوي في الانحاء يعود كل فرد منهم إلى بيته وعائلته”

الجدير بالذكران اسعد زخيا كان أحد اوائل الذين استبدت بهم حمى النزوح والهجرة الى اوستراليا حيث جنى ما يكفي من المال ليعود ويقيم فندقه هذا الذي زلره الشاعر خليل ايوب الحتي، سنة 1935، وطاب له المقام فيه فارتجل البيتين التاليين:

يا مصطاف خود هالقولات

                             زور اهدن والشلالات

واوتيل زخيا في اهدن

                         سيد كل الاوتيلات

بعد ذلك سينشئ قبلان سليمان انطون، والد المحامي فريد انطون، مؤسس جريدة “صدى الشمال” لو كندة تحت اسم “لوكندة طرابلس” وذلك في وسط اهدن “مشرفاً على ساحة ميدانها” بحسب اعلان في جريدة اهدن لبطرس افندي يمين (العدد 11-السبت 17 / أيار 1913) أي شرقي الساحة المذكورة (راجع صدى الشمال العدد 45 الصادر يوم الخميس في 6 أيار 1926) وكانت تشتمل على 7 غرف وفسحتين وحمام. وكل ذلك بالطابق العلوي، اما في السفلي فأقيم مقهى خصوصي

  وفي موازاة حركة بناء اللوكندات والفنادق راح اهالي اهدن يتسابقون، بحسب نوفل، إلى بناء بيوت صغيرة ذات حجرتين اوثلاث، برسم الايجار استيعاباً لتوافد العائلات الطرابلسية على مصيفهم خلال اشهر الصيف، واكثر هذه البيوت شيد على كتف الساقية بين كروم العنب

  في العشرينات سيتسع نطاق حركة الاصطياف، وسيصبح مقصداً للمصطافين المصريين والعراقيين والسوريين فضلاً عن استمرار تدفق المصطافين المحليين اليها، وبخاصة الطرابلسيين منهم

  الاب بولس قرألي مؤسس “المجلة السورية” سيكون اول داعية للاصطياف في اهدن من مصر، وستلاقي دعوته هناك تجاوباً

  ومن حسن الحظ، ان اخبار اللوكندات والفنادق القديمة، او المؤسسة للتو، ستضحي ممكنة التتبع من خلال جريدتي “صدى الشمال” و”الدفاع” المار اوتيل صوطو سيحاذي اوتيل زخيا في اعلى ساحة الميدان. ويسفيد مستثمرا لوكنده اهدن الكبرى وهي دار آل كرم التاريخية من التحسينات الواسعة التي ادخلها اسعد بك كرم عليها بعدما آلت اليه عام 1889. وسيعرب سعيد الخوري وسليم سمعان معوض منذ العام 1925 (اصدى الشمال عدد 1-4 تموز) عن استعدادهما لخدمة النزلاء

  ومن اعلان نشر لاحقاً (مجلد سنة 1927) يفهم الطابق العلوي كان مؤلفاً من 11 غرفة مع دار فسيحة مبلطة بالرخام، واسقفها من الجفصين المطلي بماء الذهب وامامها سطح فسيح يتسع لنحو ألف كرسي مطل على احرش وجبال الجبة وسواحل البحر، وفي الطابق السفلي محال عديدة كائنة ضمن جنينة واسعة الاطراف مصانة بسور من البحر

  وكما راح اصحاب اللوكندات حيثما كان في لبنان يطلقون تسميات مصرية على لوكنداتهم “كلوكندة مصر الكبرى” لصاحبها ديب الهبر وولده في صوفر، و”لوكندة الاهرام الكبرى” في بيت مري، و”اوتيل قصر النيل” لصاحبه ناصيف الخوري في بيت مري، و”فندق مصر” لجورج ابي رحال في بكفيا، و”لوكنده الاهرام الكبرى” لشكر الله وفرح ابي شاكر في ريفون، و”لوكنده” لصاحبها حنا طانيوس مسعد وشقيقه في فيطرون، هكذا راحت تشيع التسميات اياها في اهدن، ارضاء للنزلاء المصريين الذين كان عددهم يتزايد. ففي عام 1925 (صدى الشمال-عدد 3-18 تموز) سينشئ سركيس طنوس فرنجية “لوكندة مصر الجديدة” (تداعى طابقها العلوي منذ اعوام قليلة) وهي على ما جاء في الاعلان لوكندة مستحدثة في اهدن على الطراز الحديث باثاث متقن وخدمة حقيقية. وستعقبه سلمى نقاش بتأسيس “اللوكندة الخديوية” في الحارة العليا على رابية تشرف على جبال ووهاد شمالي لبنان. وجاء في اعلانها انها فتحت ابوابها لاستقبال الزائرين الذين سيرتاحون إلى موقعها البديع، وأثاثها الفاخر،وحسن خدمتها (صدى الشمال عدد 15 الخميس في 8 تشرين الاول 1925)

  بعد أشهر قليلة سينال اصحاب “لوكندة اهدن الكبرى” جائزة مالية من حكومة لبنان الكبير قدرها خمس ليرات سورية عن كل غرفة في النزل المذكورةلسهرهم على اتقانها وتحسينها (عدد 30-الخميس 21 كانون الثاني 1926). وسيصبح “نزل السعادة” في عهدة بطرس نخله سعادة وسيستحضر له مفروشات حديثة وكل ما يؤمن راحة الركاب (صدى الشمال عدد 49- الخميس 7 حزيران 1926) في العالم التالي سيعلن ضومط سعادة عن افتتاح “اهدن بالاس اوتيل” بغرفه الثلاثين ومياهه الحارة والباردة وحماماته العصرية

  وسيكون اول فندق ينار بالكهرباء، وصالون الاكل فيه، يحتوي على مكان للاوركسترا وصالون بليار، ومحلات خصوصية لالعاب القمار المسموحة وبناء هذا الفندق الذي انتقلت ملكيته فيما بعد إلى آل بولس لا يزال على رونقه اليوم رغم مرور عقود على انشائه. وهو يقع على جانب الطريق المؤدية إلى نبع مار سركيس (صدى الشمال عدد 11- السبت 11 نيسان 1927)

“دليل الاصطياف والسياحة في لبنان والعلويين لسنة 1926” لواضعه اسكندر يارد سيورد لائحة الفنادق التالية في اهدن: اهدن الكبرى، رويال، الخديوية، منارة اهدن، صوطو، انطون، الارز لافتاً إلى وجود تلغراف، وبريد، وجملة اطباء، وصيدلية متقنة. ويغفل وجملة لوكندة الشرق لصاحبها جو سعاده

  مع قيام “لجنة السياحة والاصطياف” في اهدن برئاسة الاب سمعان عاقله واعضائها الستة عشر بموجب مرسوم حكومي مؤرخ في 17 آب سنة 1933 رقم 9830 ستنشط الحركة اكثر، وسيولى الاصطياف في اهدن مزيداً من العناية وسيزداد الاقبال بعد تلألؤ الكهرباء فيها في 15 حزيران 1934 (جريدة الدفاع-الجمعة في 6 تموز 1934-العدد 201 و202). وسيجهز يوسف سركيس دحدح “لوكندة اهدن الكبرى” بآلة راديو متقنة ويدرج الخبر في جريدة “الدفاع”. اما سليم الخوري المحرر في جريدة الاهرام فسيلاحظ ان المصريين الذين يقصدون ربوع لبنان لقضاء فصل الصيف سيشعرون انهم غير بعيدين عن مصر بسبب سرعة وصول الجرائد المصرية والراديو. فمحطة الراديوالمصرية، على ما ذكر، كانت تسمع في جميع انحاء سوريا ولبنان بكل وضوح وجلاء، وبخاصة في النهار

  “اما في الليل الصافي الجو فيصحب الاذاعة الشيء الكثير من الخشخشة والصرصرة المزعجة التي تجعل سماع الصوت يكاد يكون مستحيلاً وكم يأسف المنصتون عندما ينقل الاثير صوت السيدة ام كلثوم الرخيم وتحول دون التمتع بسمائه تلك الاصوات المزعجة فحبذا لو كانت محطة الراديو تقدم ساعة غناء ام كلثوم فتجعلها ولو مرة في الاسبوع قبل غياب الشمس”. (جريدة الدفاع- العدد 207- الاربعاء في 1 آب 1934)

 صيف 1935 ستقرر لجنة السياحة والاصطياف بالاتفاق مع مديرية الاقتصاد اقامة حفل تدشين لفندق ابشي في اهدن يوم الاحد في 27 تموز

ادارة الاوتيل الذي انشأه سركيس ابشي اعدت العدة بتوزيع الدعوات بكثافة ووضعت تحت تصرف صحافيي بيروت والشمال عدداً من السيارات كي تقلهم إلى اهدن ذهاباً واياباً… الفندق سينطلق ب64 غرفة بحماماتها على احدث طراز وفرش متقن وستصدر الحكومة مرسوماً باعتباره من الصنف الاول من درجة فنادق قاصوف، وجبيلي وشاهين وبيت مري (الدفاع العدد 254- الجمعة في 9 تموز 1935) المطران عبدالله خوري سيحضر حفل الافتتاح ومحافظ الشمال كامل حميه، وقائمقام زغرتا بديح صالح، وحاكم صلح اهدن القاضي اميل يني، فيما الاوتيل يشع بالانوار الكهربائية وبمعالم الزينة، والاعلام واغصان الارز والشربين (الدفاع- العدد 255 و256 الخميس في آب 1935)

 في السنة التالية أي 1936، سيتم افتتاح “اوتيل زيادة” على طريق الدواليب وهو الاوتيل المعروف اليوم ب”اوتيل لاميري” وقد اعيد تأهيله واضيفت اليه اجنحة سنة 1980

  في الاربعينات سينضم اوتيل شلهوب إلى الاوتيلات العامة وسعرف لاحقاً ب”اوتيل بروفنسال”، وسيشيد قائمقام المتن السابق وديع يمين “اوتيل مونتانا” الذي انتقلت ملكيته المؤدية إلى جبل سيدة الحصن. وسيفتتح آل الشدراوي لوقت بانسيوناً في ميدان اهدن وآل الجعيتاوي بانسيوناً آخر على مقربة منه، سرعان ما تحولا إلى بيروت للسكن. وأواخر الاربعينات ستشهد بداية مهرجانات اهدن السياحية على يد “جمعية النهضة الاهدنية”، والشروع في بناء “اوتيل بلمون” الذي لن يفتتح قبل حلول سنة 1955 ويكون أول فندق مجهز بمصعد كهربائي غي اهدن. وكان اختار موقعه وانشأه ضوميط سعادة، باني “أوتيل بالاس” أيضاً الذي برهن عن مقدرة عالية على اختبار اصلح المواقع لبناء مشاريعه الفندقية، وعلى حس سياحي مميز وقد انتقلت ملكيته إلى رجل الاعمال ميلاد الغزال معوض والشقيقين طنوس ووجيه سعادة

A close-up of a document

Description automatically generated

( دفتر الحجوزات في فندق بالاس إهدن)

وعندما نقرأ اليوم اعلاناً في الصحف ل”اهدن كاونتري كلوب” المنشأ منذ نحو عقد فيها نقول ان الاعلان لم يكن يوماً غريباً عن لوكنداتها وفنادقها. وهو الذي يشكل اليوم المصدر الاساسي لمعلوماتنا عنها

“Zghartapedia” محسن أ.يمّين