السبّاق الى الغزل والنسيج
يصعب آلان معرفة ما إذا كان أسعد عبّود شحاده، العينطوريني المولد، من صنف الذين هاجروا هجرة مؤقتة، أي أولئك الذين ظلّت تحدوهم رغبة في العودة يوماً مع ما كسبوه إلى وطنهم الأمّ. أو حتّى، على وجه التحديد، غادر لبنان الشمالي، طلباً لسعة العيش في الولايات المتحدة الأميركية، لقدم عهد هجرته
كما تبدو المعلومات عنه هناك، وهو يجتهد، ويندفع في العمل، غير متوفّرة
غير أنّ ما حقّقه على أرض الفرص الواسعة لم يكن، بطبيعة الحال، وليد أعجوبة، إنّما ثمرة عمل شاقٍ، ومُضنٍ، وبفضل فرص موُاتية
فعاد إلى زغرتا مع بزوغ الخيوط الأولى للقرن العشرين بثروة كبيرة “لا تقلّ عن العشرة الاف ليرة إنكليزية”، بحسب ما أوردته جريدة “صدى الشمال” (العدد 147-148، السبت 21 كانون الأول 1927) ، يوم كان للقرش قيمته الكبيرة. ونظراً لأن والدته زغرتاوية من آل كعدو، فقد استقر في زغرتا وإهدن. فسارع إلى بناء دار له في زغرتا، قريباً من دار سليم بك كرم، وإلى بناء قصر له في إهدن، قريباً من ساحة الميدان التي زرع أشجار دلبها، حيث آلان دارة النقيب جوزيف الرعيدي
وفي عام 1905 أنشأ معملاً حديثاً للمنسوجات الحريرية، والقطنيَة، والصوفية، والأجواخ، مستخدماً ماكينات ومعَدات تدور محركاتها على البخار، جلبها معه من أوروبا. فكان الأول من نوعه في لبنان بشهادة المؤرخ سمعان خازن، وذلك في جزء من منزله فاتحاً بذلك العديد من فرص العمل أمام أبناء زغرتا الزاوية
فلم يلبث أن أصبح حديث الناس بمنسوجاته التي فاقت منسوجات أوروبا جودة وإتقاناً. سيّما بعد إنتزاع أقمشته واجواخه الجائزة الأولى في المعرض الذي أقيم في دمشق، سنة 1905، أي سنة تأسيسه لمعمله
وقد وجدت مصنوعاته في سوق الساحة المزدهر، وقتئذ، سبيلا” لترويج ومبيع قسط منها. الا ان انتاج المعمل كان يحتاج الى دائرة تسويق أوسع نطاقا”، تعزيزا” لموارده، وسدا” لكلفة إنتاجه. فتعثرت التجربة التي كان يمكن أن تعود بفوائد اقتصادية جمّة على البلدة، فيما لوطالت عمراً، نتيجة سوء الادارة، وافتقار المعمل إالى مهندسين فنيّين، وعمّال مدرّبين، وفقا” لما كتبه مؤرخو تلك الحقبة. في حين اعتبرت جريدة “الصدى” ان التعطيل كان نصيب هذا المعمل الوطني الكبير نتيجة إسراف مؤسسه
الأمر الذي عاد على أسعد شحاده بالخسارة. فأقفل ابواب معمله. وباع موجوداته إلى تجار بيروتيّين، قبل ان يبيع منزليه، ساحلاً وجبلاً، ويعود مع أسرته إلى أميركا
وفي عام 1927، نقلت “صدى الشمال” في العددين المشار إليهما آنفا، عن وصيفتها “أبو الهول” البرازيليّة، نبأ وفاة أسعد شحاده، عن 65 عاماً، تاركاً أرملةً، وأربعة بنين. فتحدثت الجريدة عن وفاة رجل كبير إستحصل، بالجدّ والكدّ ، على ثروة كبيرة، أفاد بها بلاده، ولم ينفع بها نفسه طويلاً
محسن أ. يمّين
“ZghartaPedia “لِ