ظاهرة سياسيّة وعمرانيّة
لا يمكن دراسة أحوال لبنان الشمالي، في النصف الأوّل من القرن العشرين، ومطلع النصف الثاني، من النواحي السياسيّة والإقتصادية والإجتماعيّة، دون التوقّف عند الدور المحوري الذي لعبته عائلة المشايخ إسطفان الكفرصغابّية
وهو دور يعود في نشأته إلى أواخر القرن التاسع عشر حين بدأ يذيع صيت الشيخ أنطونيوس، والشيخة زمرّد حنّا

الضاهر، من بشرّي، اللذين عرفا بكرمهما، وبفتحهما قصرهما للناس. لكن الموت الذي تعجّل إختطاف الوالد أولا”(1895)، لإصابته بمرض عضال، ومن ثم، الوالدة، بعد فترة وجيزة، سيُلقي بمسؤوليّة تنشئة ولدَيهما الشيخ يوسف (1890-1947)، والشيخ سايد (1892-1950)، على عاتق جدّتهما الست زينة التي تعهّدتهما بحنانها، وعنايتها. وتعلّقت بهما تعلّقاً شديداً مما دفع بالمطران إلياس الحويّك (البطريرك لاحقا”)، الوصيّ عليهما، إلى إستئجار غرفة لهما، في جوار معهد عينطورة، حيث نهلا العلم. ورجته أن يسمح لها بمساكنتهما. فإستجاب رجاءها، على ما أوردته جديدة “الرقيب” (مجلّد 1950). بعد انهائهما لتحصيلهما عادا، مع جّدتهما، إلى كفرصغاب، وأصبح البيت الإسطفاني

مرجعاً لأهل القرية، ولمن التفّ حولهما من أهل الجوار
وتوزّعا الأدوار: يوسف تفّرغ للسياسة، فيما إنصرف إهتمام سايد إلى الإقتصاد. ما جعل من الشراكة السمة الطابعة


لعلاقتهما في كلّ المشاريع التجاريّة والصناعيّة التي إرتبطت بإسميها. بدءاً من الشركة الماليّة التي أسساها، سنة 1914، في طرابلس (صرافة، وأعمال تجاريّة)، مروراً ب”شركة مياه نبع الغار” (1937) التي كان هدفها إيصال مياه الشرب إلى العديد من قرى أقضية الكورة، زغرتا، والبترون (القرى الساحليّة)، وبمساهمتهما في تأسيس “شركة كهرباء قاديشا”، وباكورة مشاريع الشمال الاستشفائية، في منطقة بشرّي، وفي سائر مشاريع توليد الكهرباءعلى “نهر أبي علي” (وهو مشروع أُدرج لاحقاً بمشروع قاديشا)، و”مشروع كهرباء نهر البارد” الذي بدأ توليد الطاقة في نيسان 1954،بطاقة 60مليون كيلواط
ودور المشاريخ إسطفان الذي يعتبر نموذجيّا” لفهم التداخل بين القوّة الإقتصادية، والنفوذ السياسي، لن يقف عند هذا الحدّ. نظرا” لإمتلاكهما أيضا” أسمها في ” شركة الترابة اللبنانيّة”، في شكا، وفي “شركة بنما” و “شركة الجليد والتبريد”، و”مشروع إنارة مرح كفرضغاب” بالكهرباء، و”ترامواي طرابلس”. فضلا” عن امتلاكهما غالبيّة الأسهم في معامل “ليو ” لصب الحديد وصناعة الفولاذ، وأحدث مصنع للمكانيك في الشرق الأوسط قرب البدّاوي، ولأعظم محطّة للسيّارات في لبنان الشمالي، على طريق طرابلس-حمص
هذا النشاط الإقتصادي للمشايخ إسطفان سيتعدّى لبنان، في بداية الخمسينيّات، ويتمدّد إلى الكويت، حيث ستكون لهم مشاريع عدّة
سوى ان الموت سيختطف، عام 1947، الشيخ يوسف الذي عُيًّن في مجلس الشيوخ (1927)، وإحتلّ مقعدا” نيابيا” في ثلاثة مجالس نيابيّة، وأسندت إليه حقيبة وزارة الداخلية ، سنة 1938،وأوفدته الحكومة اللبنانيّة إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة، وأوستراليا، سنة 1928، لإستطلاع أحوال المهاجرين، ومثّل، في السنة عينها، الحكومة اللبنانيّة في المؤتمر الدوليّ الذي عقد العاصمة الفرنسيّة باريس
كما ستستأثر رحمة الله بعده بالشيخ سايد الذي سيخلفه في تحمل المهام الجسام نجلاه أنطون ومرسال. الأول سيكمل دور عمه بالسياسة، والثاني دور والده على الصعيد الاقتصادي. انما الى حين، لأن المنية لن تمهل مرسال أكثر من العام 1954، قبل أن يلحقه أنطوان عام 1956
هذه الوفيات المتلاحقة، في حيّز زمني ضئيل، ستكون المسبب الرئيسي لتقويض دعائم هذا الدور، مضافةً اليها مضاعفات الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت في أواخر الأربعينيات، ومحاولة انتقام الرئيس كميل شمعون من الشيخ أنطوان، بحجة تصويته للوزير حميد فرنجيه في معركة 1952 الرئاسية، من الكويت، وارتداداً إلى الداخل اللبناني
محسن أ. يمّين
” ZghartaPedia”لِ
:إضافات
الشيخ يوسف هو أول وزير داخلية من شمال لبنان. وبحينها هو سعى لإنشاء جسر المرداشية