إلياس الخوري يونس

فاتح الهجرة إلى نيجيريا

    إذا كانت الهجرة قد فَتَحت أمام اللبنانيّين، مُنْذُ عهدهم الأوّل بها، آفاقاً جديدة في حياتهم، فالهجرة المزياريّة بالذات تعتبر نموذجاً لحركة الهجرة التي أدّت ألى تغيير ملامح منطقةٍ بكاملها، عبر النهضة العمرانيّة التي شهدتها، وإنتعاش قطاعات إقتصادية عديدة، على المستوى اللبنانيّ ككل، بفعل ما ضخّته من أموال، مَجْنيّة بعرق الجبين، في المغتربات، في الشرايين الإقتصادية للوطن الأوّل، وتوظيفها في مختلف مجالات الإستثمار

    والحديث من هذه الهجرة لابدّ أن يقود إلى روّادها الذين يعود إليهم فضل مُكاتبَة أبناء قريتهم، وحثّهم على اللحاق بهم، طلباً للرزق، وسَعْياً إلى تغيير أحوالهم المعيشيّة. وفي عدادهم إلياس الخوري يونس، من حميص مزياره، الذي يُعتبر أوّل لبنانيّ وصل أفريقيا الغربيّة، عام 1885

    وتقول جريدة “الرقيب” (الخميس 30 أيلول 1948، العدد 1933) أنّ هجرته تلك تعود إلى عهد الملاحة الشراعيّة، يوم كانت الشواطئ اللبنانيّة تستقبل الأشرعة البيضاء، بَدَلاً من البواخر النافثة الدخان. مُضيفةً أنّ إلياس الخوري، وهو الإسم الذي كان يُعرف به، رَكبَ وزوجته مركباً شراعيّاً، وأقلعا إلى أفريقيا السوداء، حيث إستقّر بهما السَيْرَ حول جزيرة “لاغوس”. وهناك في تلك الجزيرة النائية الحافلة بالبعوض السام المميت، والأقذار المقززة، أقام يُهيّئ عمله بين الزنوج السائرين على شريعة الغاب. كأنه شاء أن يضحّي بشبابه في سبيل شباب الغد. لكن قنصل لبنان في “كانو” نيجيريا سابقاً المرحوم سليم حبيس كان أكثر وضوحاً في كتابه “لبنان في أفريقيا انصف قرن ذكريات ومعلومات”، (الطبعة الاولى 1988) عندما أخبرنا أنّ الياس كان مديراً لشركة عربات الخيل في بيروت متأهلاً من “طابيتا البرق”، قبل أن يصمّما على الهجرة

   وهو يزيدنا علماً بالقول أنّه كان إلتقى في مرسيليا بأبناء مسقطه: يوسف زخيا ، خليل الجزّار وإلياس عسّاف القادمين من جنوب إفريقيا “الترنسفال”، وكانوا قد سافروا إليها حاملين المرايا، والخرضوات، والإيقونات، والشُوَك، وسوى ذلك لبيعها، والعودة بأثمانها. ومن مرسيليا إنتقلوا، على ظهر باخرة شحن رَسَت بهم في الكاميرون. وكان قصدهم مواصلة السَيْر إلى البرازيل، وقد شمّروا عن سواعدهم، وحملوا “صررهم” عاملين في الكاميرون، قبل أن يتركهم إلياس الخوري وزوجته، متوغلين أكثر في العمق، لعلّه يُصيب نجاحاً في تجارته. فقادتها خطاهما إلى العاصمة “لاغوس” في نيجيريا. وهناك إنطلق إلياس يدور بكشّته في أحيائها، ببنطلون “شورت” كاكيّ، وقبّعة فلّين مستطيلة كاكيّة اللون، هي الأخرى. وكانت الكشّة سبيله الأوّل إلى النجاح والتوفيق

   وقد راح إلياس الخوري يكتب إلى أبناء قريته يشجّعهم كي يلحقوا به. واذا بنيجاريا مزيارة الثانية، على حدّ قول “الرقيب”، وإذا بالأكواخ المبنيَة بالغزّار، قصور شاهقة

   وعام 1948، وردت على الجريدة رسالة ليس من إلياس، هذه المرة، إنمّا من سواه، تعلمها فيه أن فاتح هجرة نيجيريا، وأوّل لبنانيّ وصل إفريقيا الغربيّة قد تُوفيّ عن إثنين وتسعين عاماً قضاها في الجهاد، والإقدام، ومغالبة التحدّيات

  وحين شيّدت الجالية اللبنانيّة في “كانو” نيجيريا بناء فخماً جعلت منه نادياً يقصده اللبناني في أوقات فراغه. كانت فكرة النادي، ومعظم نفقات البناء، من الجالية المزياريّة التي مهّدت الصعاب لسواها من الجاليات، ووضعتها مثابرتها على العمل في الطليعة

وقد وُصف إلياس الخوري بحقّ “كولومبوس مزيارة”

محسن أ.يميّن

لِ “ZghartaPedia”