إسم أقترن بعباءتنا
وب”أرتيزانا زغرتا”
حين راودت وزيرة الشؤون الاجتماعية السابقة السيّدة نائلة معوّض، عام 1966، أي سنة بعد زواجها من الرئيس الشهيد رينه معوّض، فكرة تأسيس أرتيزانا في زغرتا، لم يكن إختيارها للسيّدة أنطوانيت معوّض ديب التي جمد الموت أناملها الخلاّقة، عام 2007، إختياراً عشوائيّاّ. بل كان مستمدّاً من كونها قد حازت قبل أعوام ديبلوماً من معهد الخياطة والتطريز، في معهد الراهبات الكرمليّات للبنات في طرابلس. وهي كانت إنتقلت إليه بعد إنهاء دروسها الإبتدائيّة والمتوسّطة في مدرسة راهبات المحبّة في زغرتا، مسترعية، حال دخوله انتباه الراهبات والمعلّمات، على السواء
كما عادت وإسترعت الإنتباه بمهارتها لدى مزاولتها المهنة
والآن بعد مضي 57 عاماً على إلتماع الفكرة في رأس الوزيرة معّوض، وعلى ما بذلته السيّدة أنطوانيت من جهود في تأسيس وإدارة الأرتيزانا، ثبت بالبرهان الساطع كألوان العباءات التي تلاحق إنسكابها على الأجساد الناعمة، في ديار الله الواسعة، انهما كلتاهما، أي الفكرة والمنفّذة، كانتا في محلّهما
فالفكرة القاضية بتأسيس مشغل للألبسة والعباءات الشرقيّة والمطرّزات، تحت إسم “أرتيزانا زغرتا”، نجحت في توفير العديد من فرص العمل لنساء من زغرتا، ومن خارجها
سواء داخل المشغل، لمن لم يجدن حرجاً في العمل بعيداً عن بيوتهنّ، وكسب اللقمة الحلال، بالإبرة والخيط، أو داخل المنازل، لمن لم تُتِح لهنّ ظروفهنّ الإنضمام إليه
ومُنفّذة الفكرة أثبتت أنها كانت على قدّ المسؤوليّة التي عهدت إليها، فشالت بحملها متعاونة مع أهلها، ومن ثمّ مع أسرتها، ومع كل من شكّت إبرة في جوخٍ، أم في مخمل، في حرير أو في كتّان ناعم، وكل من طرّزت، وقصّبت، أو صنعت زرّاً، وفتحت عروةً. وجيرانها يذكرون كيف تحوّل بيتها الوالديّ الذي لا يبعد كثيراً عن السرايا ، إلى الجنوب، منذ اللحظة الأولى، إلى خليّة نحل. وكيف راح أهل بيتها إثر تأمين الأقمشة والآلات والمستلزمات واليد العاملة يمدّون لها يد المساعدة من والدها بطرس كعدو معوّض المعروف ب”النوري”، أحد أقدم شوفيرية زغرتا، إلى والدتها نهاد الزلوعا. ومن شقيقها القاضي والمربّي حريص، وشقيقتيها تيريز وفيوليت وأكثرهم تعاوناً كانتت بالطبع شقيقتها تيريز. وكيف أخذت السيّدة نائلة على عاتقها تقديم ما تستطيعه من تسهيلات، للتعّرف إلى كبار تجّار الأقمشة واللوازم، وتأمين الموديلات، والأزياء التراثيّة التي سيستوحى منها. فيما تكفّلت السيدة أنطوانيت بإدارة دولاب العمل للخروج بأفضل النتائج المتوخّاة
وعندما ذهب خبرها الى أبعد من زغرتا والشمال، وقام “تلفزيون لبنان” بأوّل ريبورتاج عن الأرتيزانا، وتلاحقت أضواء الصحف والمجلاّت، لم تتأخّر بنات الحيّ في القيام بدور الموديلات، ولو لساعات معدودات
وكان كل نور يُسلّط على التجربة يزيد السيّدة أنطوانيت إندفاعاً لتطوير العمل، والسير به قدماً. فكانت بحركتها التي لا تهدأ أشبه بالمكوك وهي تدور متابعة نبض الشغل، وآلية العمل الخاصة في البيوت، مواكبةً كلّ حركة و سكنة شراء إنتاجا وتسويقاً
ولدى إقترانها بالأستاذ جان ديب، سنة 1973، في أعقاب نجاحه في مباريات رؤساء الدوائر، في الأدارات العامة، كان من الطبيعي أن تشترط عليه السكن في زغرتا، لأن شغلها كان قد أصبح جزءاً منها. وبات من المتعذّرعليها الفكاك عنه. كما كان من الطبيعي أن تتمنّى عليه لو يقدم مساعدته، هو الآخر، في ما تقوم به. لأنّ مؤسّسة حرفيّة إرتاحت للإحساس بفوزها، وأمنّت هذا القدر من فرص العمل، لم يكن من الجائز توقيفها، وحرمان المنطقة من منافعها الأكيدة البادية للعيان
وقد جاهدت السيّدة أنطوانيت جهادها الحسن طوال 40 عاماً، مع كلّ اللواتي كنّ معها على خطّ العمل والمساعدة
وقد أسعدها أن ترى العباءة الزغرتاويّة الآخذة من كل الألوان، منذ الإمارة المعنيّة فما بعد، والمستلهمة حقبة يوسف بك كرم، بطل لبنان، كإشارة إنتماء إلى منطقة معيّنة من لبنان، على اجساد شهيرات زماننا، لم يعد ضرباً من ضروب المستحيل. وكافأت الأيّام جهودها وهي تواكب الأرتيزانا في إكتسابها الشهرة بفضل سهرها الدائم على صنع الأناقة التراثيّة، وفضل جهود الرئيس الشهيد رينه معوّض وزوجته
فأضحت الأرتيزانا مقصداً للطلبات وإرسال الهدايا، القريب وبعيد. وتطول لائحة من لبسن ممّا أنتجته الأرتيزانا من ملكات وأميرات، ومن نجوم سينما وغناء، وسيّدات مجتمع. من الأمبراطورة فرح ديب، إلى السيّدة جاكلين كندي أوناسيس، إلى عقيلتي الرئيسين الفرنسيّين جورج بومبيدو وفرنسوا ميتران، ومن الأميرة غريس كيلي، والملكة نور، إلى عقيلات الرؤساء العرب (مصر، العراق، تونس، المغرب، الاردن الجزائر، ودول الخليج). ومن صوفيا لورين وبريجيت باردو الى داليدا. حتى أنّ ملكة جمال الكون السيّدة جورجينا رزق إرتدت زيّاً من مصنوعات الأرتيزانا خلال مباراتها التي تكلّلت بالفوز
إعترافاً بنجاح الأرتيزانا التي كان، ولا يزال لها حضورها الدائم في المعارض المحلّيّة والخارجيّة، تقدّم الرئيس سليمان فرنجيّة، وقد دبّت فيه الحميّة الزغرتاويّة، من إبنة مدينته السيّدة أنطوانيت، وربّت كتفها قائلاّ :”أهنئك يا بنتي من كل قلبي فأنت رفعت أسم زغرتا عالياّ
وبعد إعتلال صحّتها ترك لها الموت الكافي كي توصي زوجها وولدها رينه، وكي توصي على الأخصّ إبنتيها ريتا ديب الكوسا، وراشيل ديب حديّد، اللتين دربتهما على مواصلة ما بدأته بالحفاظ على رصيد الأرتيزانا التي تركتها أمانة بين أيديهم. لأن إستمرارها يُبقي لزغرتا عنواناً إعتاده المغتربون والمصطافون. كما جرّبه الزائرون والأجانب. كما يبقى تعب عمرها محفوظاّ في ما يليه من أعمار
أنطوانيت معوّض ديب إسم سيتقرن بالعبارة المصنوعة في زغرتا ولبنان طويلاّ
محسن أ.يميّن
“ZghartaPedia”لِ