المبادر الرؤيوي
رائد سياحيّ مغمور
يُعتبر ضوميط بطرس سعاده رائد السياحة الفندقّية في إهدن. فقبله كانت هذه السياحة تقتصر على إنشاء “لوكندات”، وفي أحسن الأحوال، “بانسيونات”، إلى أن دخل هو على الخط، وبدأ التحّول
وضوميط سعاده كان تقاسم رئاسة بلدّية زغرتا- إهدن مع الدكتور شاكر فرنجّية، في مجلس 1934، وكان عضوا” في المجلس الذي سبق (1930). كما كان عضّوا” في اللجنة الخاصة التي عيّنتها الحكومة، عام 1938، بمرسوم، بعد حلّ البلدّية، ريثما تُشكل بلدّية جديدة، على أن يتولّى القائمقام رئاسة البلدّية
وهو كان استهل توجّهه السياحي هذا بإستئجار ” لوكندة السعادة” لصاحبها نجيب سعاده، المجاورة لكنيسة مار جرجس في إهدن، قبل أن يعقد العزم بما طبع عليه من روح تفاؤليّة وعمرانيّة، على بناء “أوتيل بالاس” المعروف والكائن قرب باتيسري أنجيلا، في قطعة أرض واقعة على الطريق المؤدّي الى نبع مار سركيس، قريبا” من الصنوبر والشربين ، فشقّ الجبل، وطحن صخوره، وجعل من الفندق الذي شاده شرفة تطلّ على جمال إهدن الطبيعي المتميّز
وقد ذكرت جريدة “الهدى” النيويوركية، في معرض إشادتها بما طرأ على إهدن من تجدّد في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وبما نهض فيها من بنايات جميلة وفخمة معدّة للإيجار، وما أُنشئ فيها من “لوكندات” . موجهة الإنتباه إلى “إهدن بالاس أوتيل” الذي يجد فيه المسافر كل مايجده في أيّ منزل فخم، في أعظم مدن أوروبا وأميركا، من أسباب الراحة والسرور، من رقص على الطريقة الأوروبيّة، ونغمات الموسيقة الغربيّة، وصور متحركة (أي السينما التي كانت افلامها صامته في ذلك الحين)، وغرف بحمّامات، وماء ساخن وبارد، وذلك في مجلدها للعام 1929
وقد كتبت “صدى الشمال” عن هذا الرجل الطموح الذي لعب دورا” اساسيا” في تحسين حياة الانسان في إهدن، انه عندما شرع في عمار فندقه لم يكن في حوزته سوى ثلاثة عشر ألف غرشُ فقط، لا غير. وفي فترة زمنية وجيزة، أضحى أوتيله جوهرة سياحّية ومنصّة لحفلات إنتخاب ملكات جمال إهدن والمصطافات فيها.
وصار مقصداً للمصطافين من كل حدب وصوب
وبزيوع صيته لم يعد أحد يستغرب إذا إتصل بعلمه ان الكاتب المصري الكبير محمد تيمور قد أمضى أكثر من شهر فيه، صيف 1933، أو ان يكون رفيق أبو غزالة، حاكم صلح حيفا، للمثال، أو محمد شفيق الرحباني، قاضي محكمة بداية حيفا، قد نزلا فيه (جريدة الدفاع، العدد 135 والعدد 140 – 141 – السبت 1 تموز 1933، والأربعاء 13 أيلول 1933). أي الصيف عينه الذي وصل إهدن، بطريقه إلى الأرز، سماحة الشيخ أمين الحسيني، مفتي فلسطين الأكبر
بالاس أوتيل” لم يتأخّر في إنتزاع الجائزة الثانية بين فنادق الإصطياف في لبنان، وقيمتها سبعون ليرة ذهبيّة، عام 1928. وتردّد أنه لو تمّ بناء القسم الثاني، في الصيف السابق (1927)، لنال صاحبه الجائزة الأولى
ثمّ لعبت الأقدار بمصير سعاده وفندقه بعدما إستدان مبلغا” من المال، في مقابل رهنه لبناء الأوتيل. لكن تأخره في تسديده تسبّب في وقوع حادث مؤسف، وفي خسارته لملكتيه
سوى ان اليأس لم ينل منه. ففي العام التالي إتفق مع يوسف بك كرم، ومخائيل مرقص الدويهي، والبطريرك الماروني أنطون عريضه، بصفته وليّ الأوقاف العام، على استئجار “لوكندة الكبرى”، على ان يرمّمها المستأجرون، وينشئوا على أنقاضها فندقا” كبيرا”، على الطراز الحديث، يستثمرونه لمدّة 40 سنة، لقاء دفعهم مبلغ 15 ليرة عثمانية ذهباً سنويّاً، يعود بعدها البناء إلى الوقف. لكن المشروع إصطدم بإعتراضات إهدنية على العقد، فتقرر توقيف الإيجار، والعمل
وقد مرّ وقت قبل أن يُعيد ضوميط سعاده إستجماع قواه، ويقع إختياره، مرّة ثانيةً، على موقعٍ آخر لبناء فندقٍ جديد يمتاز هو أيضاً بموقع بانوراميٌ، مُشرف على السهل والبحر والجبل، ومصمّم بشكلٍ يُخَوّل النزلاء التمتعٍ بأكبر قدر من الراحة المرجوّة. وهكذا إختار الكتلة البيضاء التي رفع قسماً كبيراً من “أوتيل بلمون” عليها. غير ان الحظ لم يساعده على إتمامه
وعندما مسّت حاجته الى المال لإكمال مشروعه الجّبار، أوقف أعمال البناء، وهاجر الى المكسيك بقصد كسب ما يكفي من المال لإعادة الحياة الى ورشة العمار، ومواصلة تحقيق حلمه. لكنه تعرض لحادث الزمه الفراش، وأقعده عن العمل. وبعد تعافيه عاد الى لبنان. ولاح له بريق أمل لدى علمه بأن بعض المستثمرين في الشمال قرروا تأليف شركة مساهمة تقوم بإتمام مشروعه. فبقيت الشركة فكرة لم تقترن بالتنفيذ العملي. وخاب أمل ضوميط. وإضمحل. الحلم
وكانت هذه المرحلة أسوأ المراحل التي مرّ بها، فوجد نفسه أمام حائط مسدود. فإضطر الى بيع المبنى غير المكتمل لفندق بلمون إلى كلّ من المتعهّد ميلاد الغزال معوّض ( تمكله بنسبة الثلثين)، والسيد سعاده جرجس سعاده (الثلث) .وهي الشراكة التي لا تزال سارية المفعول بين ورثتها إلى يومنا هذا
وراح ضوميط سعاده يُعاني من القرحة في أمعائه قبل أن يخضع لعملية جراحّية في مستشفى النيني، في طرابلس، إستبشر الأطبّاء بنجاحها. غير ان المنيّة لم تلبث أن وافته، في 14 أيار سنة 1952، بعد مرور 48 ساعة على إجرائها
إهدن التي آلمتها وفاته، اسفت لفقدانها ركناً من أركان نهضتها، من المشجعين البارزين للإصطياف في الشمال
أمّا أعمال حق بناء الاوتيل التي سيستغرق استكمالها ثلاث سنوات لتنتهي عام 1955، فستظلّ مدينة بمراحلها الأولي، فضلا” عن حسن الإختبار للموقع، لرجل كان يطمح دوما” إلى الأفضل، عمراينا” وسياحيا”، ويرى المستقبل الباسم من خلال الحاضر العابس، يدعى: ضوميط سعادة
محسن أ.يمّين
“ZghartaPedia” لِ