صامدها والمندثر
اذا كان التطوّر المعيشي والإجتماعي الواسع النطاق الذي طرأ على الحياة في القرن الماضي، والربع الأوّل من القرن الحالي قد طوى صفحة الطواحين المائية إلى حدّ زوالها شبه التام لولا بقيّة منها باقية فإن زغرتا المحاطة، جغرافيّاً، بنهري رشعين وجوعيت، سيّما أوّلهما، لم تكن تجد صعوبة في توفير المياه لهذه الطواحين الكفيلة بإذارة أحجار رحاها بعد انصباب المياه من القنوات مُحّركاً بضغط الماء المتساقط الفراش، والحجر الكبير المستدير
وأجمل طواحين زغرتا، وربما أقدمها، بحسب المؤرّخ سمعان، طاحون المرداشيّة المتغاوي بقناطره وفتحاته التي كادت تهدّدها مطرقة الزمن، كما كتبنا في جريدة النهار آنفا (21 شباط 1998)، لو لم تُبذل الجهود (2004-2006) من أجل إعادة تأهيله، بقصد تحويله إلى مركز ثقافيّ حمل إسم “ضفاف”، وذلك على نفقة رجل الأعمال قبلان يميّن، وببركة الرهبنة الأنطونية التي تعود إليها ملكيّته، لما كان وفّره الخراب التدريجيّ، على غرار ما فعله بباقي الطواحين التي أصبح بعضها أثَراً بعد عَيْن. وهو كان، سابقاً، ملك آل كراني، ثمّ إشتراه منهم أسعد بك كرم، نحو عام 1875، ثم باعه من دير مار سركيس وباخوس التابع للرهبان الانطونيّين. ويشغلها، حالياً، احد المطاعم. وكان، فيما مضى، يُدار بواسطة سكرماء خصوصيّمن مياه نهر رشعين
ويضاحيه في القدم طاحونَ أبي كرم المشاد من قبل أبي كرم بشارة الذي تولّى حاكمية جبة بشرّي (1674-1677). وهي ما تزال تحمل أسم بانيها، الى يومنا هذا، رغم انتقالها، بالشراء او الاسقيلاء، من يد الى اخرى. وقد عرفت ب”الطاحون العتيقة”، إستولى عليها المشايخ الحماديوّن بعد وفاة أبي كرم، ثم إشتراها موسى كرم من حسن حماده
ولم يلبث أن إشترى منه النصف القس سمعان معوّض وشقيقاه وحنا، قبل يشتري حصّة آل كرم الشيخ أنطون يعقوب الدويهي. وهي اليوم ملك ورثة مارون أبي زيد، بعدما أثبتت جدارتها في مقاومة القرون الغابرة. وهي تقع على مقرية من المرداشيّة وكانت تُدار، هي الأخرى، على سر ماء من نهر رشعين أسوةً بطاحون نحلوس الذي يعلوها بمسافة قليلة
ومطحنة نحلوس بناها الشيخ مخائيل نحلوس الذي كان حاكماً على منطقة الزاوية وجبّة بشرّي (1692-1704). وبعد مصرعه إشتراها الشيخ يوسف بولس الدويهي لإبنتيه عَدْبا، زوجة الشيخ بطرس كرم، وتيودورا زوجة الشيخ لطّوف العشي (مناصفةً). قبل أن ينيع آل العشّي حصتهم من الشيخ إغناطيوس سليمان فرنجيّة، وينتقل الطاحون، بعدئذ، بالشفعة، إلى يوسف بك كرم، وارتاً من أبيه النصف الآخر
ويقول سمعان خازن عن هذه المطحنة بأنها مشتملة على خمس قبوات معدّة لطحن الحبوب وعصير جفت الزيتون، وفيها مستودعان لوضع الحبوب وثمار الزيتون والجفت، وفيها حلّة كبيرة لسلق القمح وجعله برغلاً. وجمع المطاحن المذكورة واقعة في الجهة الشرقيّة
أمّا في اللجهة الغربيّة فتقع طاحونة المخاضة العليا. وهي قديمة العهد إشتراها قيصر بك طربيه، من سبعل، قبل أن تُباع إلى رومانوس شكري كرم. وقد تولى إدارتها، حيناً، جرجس أبي زيد، وأعقبه في إدارتها إبن شقيقه حليم أبي زيد. وآخر من شغلها بدوي الحربية قبل يسودها الصمت، ويقفل بابها
وعلى مقربة منها نزولاً طاحون المخاضة السفلى التي كانت تدور مثل المطحنة الأولى على سكر ماء خصوصيّ من مياه نهر رشعين يسمى “المستقى”. كانت، فيما مضى، ملكاً للشيخين سليمان ويوسف إغناطيوس فرنجيّة، ثم إشتراها من ورثتها خليل بطرس أبي زيد. وهي اليوم متداعية
وعلى ضفاف نهر جوعيت، أي للجهة الغربيّة من زغرتا، طاحونة الزهرية التي كانت تدور على مياه هذا النهر، إنمّا في فصلي الشتاء والربيع فقط. بناها المعلّم يعقوب فرنسيس مرتا معوّض، وورثها أولاده من بعده
أمّا طاحونة أبي ديب فكانت تقتصر بثموينها للمنازل، والأفران، على الشتاء والربيع. فيما بعد، بطرس جرجوره المعرّاوي. وكلاهما قد زال من الوجود
وفي وقت أقرب إلى زماننا تمّ بناء طاحونة الحّوارة
في الجهة الشرقيّة، التي كانت تدور على سكر ماء خصوصيّ من نهر رشعين . وطاحونة الفطيسيّة الواقعة هي أيضاً، في الناحية عينها، وكانت ملكاً لرهبان دير مار سركيس. وجميع هذه الطواحين المائيّة قد هُجرت اليوم، ما خلا ما أعدّ منها كمطاعم، بعدما سلبتها المطاحن العصريّة مهمّتها. ولم يعد هناك أيّ مطحنة مائيّة شغّالنة، إلى يومنا، غير طاحونة رشعين التي تمتلكها الرهبنة اللبنانيّة، وتديوها الآنسة سعاد النَشْمي
محسن أ.يميّن
لِ“ZghartaPedia”