“بطريك” مدني
عندما غاب بطرس الشيخا، عام 1988، عن سبعٍ وتسعين، عَنوَنت جريدة “النهار” مقال نسيبه المحامي بدوي أبو ديب (30/6/1988) كما يلي : “بطرس الشيخا سمّوه البطريرك”
فهذا المغترب اللامع، العمراني، والإنساني، الذي لم يغادره لبنان يوماً، وهو في مهجره، كان منزله سفارة، قبل عهد لبنان بالسفارات وقد إمتلأت الجرائد، طوال حياته، بمدح أعماله، والثناء على مآتيه، كأمير من أمراء البذل والإحسان
بطرس الشيخا من مواليد إهدن. إبن سركيس مخائيل الشيخا، ونزهة البدوي أبو ديب. تعلم مبادئ القراءة والكتابة، وبعض قواعد الحساب، في”مدرسة تحت الجوزة”، قبل أن يدخل مدرسة مار يوسف، في زغرتا، وتراوده، من ثمَ، فكرة السفر إلى المكسيك، تحقيقا” لآماله وطموحاته. ومناشدة والدته المترمّلة لم تُجد نفعاً في ثنيه عن عزمه. فسافر عام 1909، وإستقرّ في مدينة “تولوكا” التي لم يسبقه إليها أيّ من أبناء زغرتا-الزاوية، بل عدد قليل من اللبنانيين أمّنوا له فرصة عمل ساعدته في حطّ رحاله فيها، وفي الإلمام باللغة الإسبانية. غير ان طموحه إلى أبواب رزق أوسع ستقوده إلى العاصمة “مكسيكو”، حيث إستهل شغله، كعامل بسيط في أحد مصانع القمصان. وخلافا” لسائر عمال المصنع راح بطرس الشيخا يضع ما يتقاضاه من أجور في صندوق المعمل، بهدف شراء أسهم فيه، والسعي للظفر بملكيّته. وبعد شرائه أسهما”، لم يلبث أن أضحى عضوا” في مجلس ادارته

بحلول العام 1920، سيزور الى لبنان بهدف الزواج، وسيقترن ب”دورا سعاده”. وبعد عودته وزوجته إلى المكسيك، سيتكّمن، بعمله المتواصل، ودأبه المستمر، من الإقتراب، شيئاً فشيئاً، من هدفه. لأنه لم يكن يرضى بما هو فيه، إنّما كان في إنتقال مستمّر، وتقدم دائم. فلم يكتفِ بشراء معمل القمصان، إنما سيعمل على تحديثه، ويجعل منه أعظم مصنع ألبسة في مدينة “مكسيكو”. ويضيف إلى رزقه الوسيع في المجال الصناعي، العمل في المجال التجاري
وما إن بلغ مرحلة الرغد والثراء حتى بدأ يتّضح ان هذا الرجل كلّما نجح في زيادة إيراداته، زاد من نسبة

سخائه على المشَاريع في وطن المنشأ، ووطن الإستقبال، ومن نسبة مساعداته للفقراء والمعوزّين، وللجمعيات الخيريّة
وقد ظلّ، طوال حياته، يلتهب غيرةً على الأرض التي رأى فيها النور
فدشّن مساعداته لإهدن بمبلغ ماليّ أرسله، سنة 1934، إلى بلدّيتها من أجل اقامة مدافن عموميّة حديثة فيها مراعية للشروط الصحّية، وللسلامة العامة. وذلك في مكان تختاره البلدية. فإختارت محلّة مار يعقوب، شرقي إهدن. لكن المشروع اصطدم بعقبات حالت دون تنفيذه.
في العام التالي، شرع في تزيين إهدن بالتماثيل. فأهداها، أوٌلا تمثالَي عظيمَيها الطوباويّ العلامة البطريرك إسطفان الدويهي، والعلاّمة جبرائيل الصهيونيّ. كما أهداها تماثيل لعدد من كنائسها (تمثال مار بطرس للكنيسة الحاملة إسمه، وتمثال قلب يسوع، وتمثال قلب مريم العذراء، لكنيسة مار جرجس، وتمثال السيّدة العذراء، لكنيسة سيدة الحصن القديمة)
وحين قدّم لها، سنة 1939، الأسدَين الحجريّين الرابضيَن على جانبي مدخلها الشمالي، لم يكن ذلك نهاية المطاف، بالنسبة للشيخا، كما يسود الاعتقاد
امّا مساعداته للمدارس، والصحف، وللبلدية، وللجمعيات، فيتعذّر حصرها في نبذة مختزلة تُسطّر عنه
تبقى الإشارة الى أنّ نجله البكر المغترب اميليو الشيخا عاد وأهدى بلديّة زغرتا-إهدن أسدَين برونزيّين، إكمالا” للمعروف الذي سبق وأسداه المرحوم والده، ثمّ وضعهما على قاعدتين حجريتين، عام 2006، عند مدخل إهدن الجنوبيّ
وإعترافا” بأهمّية دوره الإغترابي، تمّ إختياره، اولا”، رئيساً ل”إتحّاد الجامعات اللبنانيّة في المكسيك”، ثمّ رئيساً للهيئة

الدائمة ل”إتحاد الجمعيات اللبنانية في الديار الأميركية”، في مؤتمر هافانا، عام 1969
“ZghartaPedia” محسن أ. يمّين

(صورة للدون اميليو -ابن الدون بيدرو مع غبطة البطريرك الراعي)